في العديد من الدول العربية والأفريقية، لم تعد خريطة الحكم تُرسم وفق معايير ديمقراطية حقيقية أو تنافس سياسي نزيه، بل تُحاك خيوطها داخل غرف الولاء الضيقة، حيث تشكل الروابط العائلية والاجتماعية المحور الأساسي في هندسة السلطة. فالأسرة الحاكمة لا تكتفي فقط بالحكم، بل تمد جذورها إلى مفاصل الدولة، مستندة إلى من هم في دوائر القربى من أخوال وأنساب وأصدقاء العائلة، بل وحتى أقارب أصدقاء العائلة، فيما يشبه "سلسلة ذهبية" تحيط بالكرسي وتحصّنه.
في هذا السياق، تتحول الوزارات والمؤسسات العليا إلى هياكل محكومة بالثقة العائلية والولاء الشخصي، إذ تُمنح المناصب على أساس القرب من دائرة الحكم، لا على أساس الكفاءة أو القدرة. ولا تتوقف هذه السلسلة عند حد التعيينات الوزارية، بل تتشعب لتصل إلى الإدارات والمصالح والفروع المحلية، في محاولة لبناء شبكة متكاملة من الموالين تضمن للنظام البقاء والاستقرار داخل منظومة مغلقة.
ومن أجل الحفاظ على مظهر ديمقراطي أمام الداخل والخارج، يسمح الحاكم – أو من يمثله – بضم بعض ممثلي أحزاب الموالاة إلى ما يعرف بـ"طابور الانتظار السياسي"، وهي آلية يتم من خلالها غربلة الأسماء والتحقق من ولائها فردًا فردًا، قبل السماح لهم بالاقتراب من خريطة الحكم أو الترشح للمناصب الحساسة.
تُدار الانتخابات في هذا السياق كأداة تجميل لا أكثر، حيث يتم نسج نتائجها مسبقًا ضمن خطة دقيقة ومحكمة، لا تتيح للصدفة أو للمفاجأة أي هامش. الصناديق تُفتح في أجواء احتفالية، وتُغلق على نتائج "سعيدة" تُرضي الأسرة الحاكمة، وتُطمئن طابور المنتظرين أن "الدور قادم"، في حال استمر الولاء وتم اجتياز اختبارات القرب والثقة .
هذه الصورة، رغم كل مظاهر الديمقراطية المصطنعة، تُعبر عن واقع يُدار فيه الحكم بعقلية الحيازة والاحتواء، لا بالمنافسة والتمثيل الحقيقي. وهكذا تبقى الديمقراطية في هذه البلدان مجرد مشهد مُخاط سلفًا، يُعرض على الجمهور دون أن يُسمح له بالمشاركة الفعلية في كتابة نصه أو اختيار أبطاله.